08 - 05 - 2025

أخطر ما تضمّـنته صفقة القرن 

أخطر ما تضمّـنته صفقة القرن 

روّج الإعلام الأمريكى والصهيونى لما يـُـسمى "صفقة القرن" بحجة حل مأساة الشعب الفلسطينى مع الاحتلال الإسرائيلى..وقد سخرالكاتب البريطانى روبرت فيسك فى صحيفة الاندبندنت من تلك الصفقة..كما سخرمن جاريد كوشنر صهرترامب ومستشاره ووصفه بأنه "ولى العهد الأمريكى" على نسق "ولى العهد فى الأنظة العربية" وانصبـّـتْ السخرية على تصريح كوشنرالذى وعد الفلسطينيين بمنحهم مليارات الدولارات مقابل التنازل عن وطنهم..وقال فيسك: كلام كوشنر إهانة للعرب وليس للفلسطينيين فقط.

أعتقد أنّ مقال الكاتب البريطانى شديد الأهمية لأنه أزاح الستارعن المؤامرة الأمريكية الصهيونية للقضاء على أى أمل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مقابل المال.. وكأنّ الأوطان مثل أية سلعة قابلة للشراء بعقلية البيزنس الأمريكى..وإذا كان كوشنرتجاهل أين يذهب الفلسطينيون.. فهل سيشترون بالمال وطنــًـا بديلا؟

إجابة هذا السؤال ورد صراحة فى مشروع صفقة القرن، بتوطين الفلسطينيين فى سيناء..ولفت نظرى أنّ أغلب من كتبوا عن تلك الصفقة المشبوهة، تجنــّـبوا الحديث عن سيناء باستثناء البعض مثل د.محمد كمال الذى كتب أنّ الصفقة تتضمن توطينــًـا للفلسطينيين فى سيناء، أوضم جزء من سيناء لغزة..وهذه الأفكارطرحها أكاديميون إسرائيليون خلال العقود الثلاثة الماضية..وأشارإليها أحمد أبوالغيط فى كتابه "شهادتى" (أهرام 29 يونيو2018). 

وبالرغم من أهمية مقال د.محمد كمال فإننى أختلف معه عندما ذكر أنّ توطين الفلسطينيين فى سيناء أفكارعمرها ثلاثة عقود، بينما تلك الأفكارترجع إلى سنة آ 1927 ويعود الفضل فى كشفها للمفكرعمرعنايت الذى كتب مقالا فى مجلة العصورالتى أصدرها إسماعيل مظهر..كتب عنايت فى عدد أمشير/ فبراير1929 مقاله بعنوان (المدنية اليهودية المُستقبلة) بدأ برصد ظاهرة سيطرة المال اليهودى الآخذ بخناق العالم والمسيّر لأموره.. وأكــّـد على أنّ اليهود هم الذين استفادوا من القلق الاقتصادى الذى نتج عن الحرب العالميةآ  الأولى..وأضاف "وإنكَ إذا بحثتَ كل حركة هدّامة فى الوقت الحاضر، تجد أنّ محورها الدعاية اليهودية، الأمرالذى يُمكننا مشاهدته مُـتجليـًا فى موقعيْن: أولافى روسيا وثانيًا فى فلسطين. إنّ اليهود يُريدون أنْ يشيّدوا فى فلسطين نقطة ارتكازيُـوجّهون منها جهودهم حيث شاءوا وحيث يجدون فائدة. إنّ فلسطين ليستْ غيرالعش الذى ستولد فيه المدنية اليهودية المستقبلة" وأضاف "يشعرالصهيونيون أنهم فى حاجة إلى حماية أقوى دول العصرحتى تثبت أقدام مدنـيّـتهم الجديدة..وعندئذ يكون من أيسرالأمورعليهم إزالة تلك الحماية بفضل مالهم ونفوذهم. وبريطانيا نفسها تشعر بنمو الصل (= حربة أوسكين) اليهودى تدريجيًا بين أحضانها..مع علمها بأنّ امبراطوريتها ستكون أول من يتحمّـل صفعات اليهود المُميتة"آ  

وهكذا كانت بصيرة عمرعنايت الثاقبة..وتحقــّـقتْ نبوءته حيث أنّ اليهود اعتمدوا على بريطانيا..وحصلوا منها على وعد باغتصاب أرض الشعب الفلسطينى المستقر، لشعب رفض الاستقرارمن خلال منظومة الولاء يكون للوطن وليس للدين..وبعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أميركا قبلتهم الأولى.

وعن المخطط الصهيونى كتب: "هناك مشروع لمد أنابيب النفط من الموصل إلى ثغرحيفا الفلسطينى..ومن يدرى ما يُـخبئه الغيب" وبعد الكلمة الأخيرة..وبدون أية فواصل فإنه سجّـل نبوءته التحذيرية، إذْ نصّ على "فإنّ فلسطين– ولوأنها لم تصـــــربعد– فستكون يومًا ما ملكــًـا لبنى إسرائيل..ولذلك ستــُـصرعلى أنْ يكون لها الفصل فى الهيمنة على مركزفلسطين الاقتصادى أولا..ثم سيأتى الوقت الذى يلتفت فيه اليهود إلى الهيمنة السياسية والتوسع أيضًا"

وأظن أننى لستُ فى حاجة إلى أى تعليق على هذه النبوءة التحذيرية التى تحققتْ، بعد أنْ احتلـّـتْ إسرائيل سيناء لعدة سنوات ومازالتْ تحتل كل الأراضى الفلسطينية والجولان السورية. 

وأنّ إسرائيل ستكون فى المستقبل "هى عروس البحرالمتوسط" وقال كأنما يمتلك آلة سحرية..مثل بللـورات ألف ليلة وليلة، أنّ على الدول العربية ومصر الانتباه لخطورة المخطط الصهيونى..فنصّ على: "يجب أنْ نتطلّع إلى ذلك اليوم..فإنه سيكون الحد الفاصل بين عهديْن: عهد مصرالذهبى وعهدها المُـظلم..فبعد ذلك اليوم ستكون مصركمية مهملة وعضوًا أثريًا فى مملكة داود الجديدة"

 ولأنّ الثقافة المصرية فى تلك المرحلة الليبرالية من تاريخ مصرمُـزدهرة..وفى حالة نشاط وتفاعل دائميْن، كتب أ.عبدالحكيم الجهنى مقالا فى العدد التالى مباشرة (برمهات/ مارس 1929) بدأه بتحية رئيس التحريرلأنه نشرمقال أ.عنايت..ورأى أنْ يُضيف بعض المعلومات عن المخطط الصهيونى..ومنها اقتراح مستر "ود جوود" العضوبمجلس العموم البريطانى الذى طلب فيه من مصر "أنْ تتنازل عن شبه جزيرة سيناء لفلسطين"

بعد ذلك تكلــّـم عن أهمية الموقع الجغرافى لفلسطين..وعن إمكانية إقامة مشروعات صناعية وزراعية بها..وأشارإلى المعلومات التى تتناقلها الصحف العالمية عن خطط اليهود فى المنطقة مثل مشروع (روتنبرج) الكهربائى العظيم ومشروع البحرالميت الكيمائى الزاخرومشروع ميناء حيفا واقتراح بإنشاء قناة جديدة تــُـقرّب قناة السويس بين البحرالأبيض المتوسط وخليج العقبة.

ثم ربط بين الفاشستية والصهيونية..وإذْ يؤكد الكاتب إتفاقه مع أ.عنايت، فإنه أضاف "إنّ المُـخططات الصهيونية والفاشستية تضع مصرأمام امتحان دقيق" أرجوملاحظة أنّ هذه الكتابة كانت فى فبراير ومارس 1927 فهل ينتبه النظام المصرى لخطورة الاستيلاء على سيناء وفق المخطط الصهيونى؟ آ 

ولنتذكرنصيحة عنايت الوقوف ضد المخطط الصهيونى..العلم والثروة هما السلاحان الواجب التسلح بهما لمواجهة المستقبل.

***

مقالات اخرى للكاتب

أين الدول العربية من التنافس الأمريكى الروسى؟